
علم الحال وعلم فرض الكفاية
علم الحال وعلم فرض الكفاية
للإمام برهان الدين الزَرْنُوجي
اختصار وتهذيب
فريق المحتوى العلمي
عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : طلب العلم فريضة على كل مسلم. أخرجه ابن ماجه في سننه.
[علم الحال]
اعلم أنه لا يفترض على كل مسلم طلب كل علم، وإنما يفترض عليه طلب علم الحال (1) أو علم فرض العين، فإنه يقال: أفضل العلم علم الحال، وأفضل العمل حفظ الحال.
ويفترض على المسلم طلب علم الأمور التي تقع له في حاله، في أي حال كان. فإنه لا بد له من الصلاة فيفترض عليه أن يعلم ما يقع له في صلاته بالقدر الذي يؤدى به فرض الصلاة، لأن ما يتوسل به إلى إقامة الفرض يكون فرضاً، وكذلك الشأن في الصوم، والزكاة إن كان له مال، والحج إن وجب عليه، وكذلك البيوع إن كان يتعامل في التجارة بيعا وشراء.
[وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوز للمكلف أن يقدم على فعلٍ حتى يعلم حكم الله فيه سواء كان في العبادات أو المعاملات]. (عمدة البيان، 5)
قيل للإمام محمد بن الحسن(2): ألا تصنِّف كتاباً في الزهد؟ قال: صنَّفتُ كتاباً في البيوع!
ويقصد بجوابه هذا أن الزاهد هو من يتحرَّز ويبتعد عن الشبهات والمكروهات في التجارات، وذلك لا يتم إلا بتعلم أحكام البيع.
وكل من اشتغل بشيء من المعاملات والحِرَف يفترض عليه أن يعلم ما يحفظه من الوقوع في الحرام، وكذلك يُفترض عليه علم أحوال القلب من التوكل والإنابة والخشية والرضا، فإنه واقعٌ ويحتاج إليه في جميع الأحوال.
[شرف العلم]
وشرف العلم لا يخفى على أحد، إذ هو مختص بالإنسانية، لأن جميع الخصال سوى العلم يشترك فيها الإنسان وسائر الحيوانات، كالشجاعة والجُرْأة والقوة والجود والشفقة وغيرها سوى العلم، وبه أظهر الله تعالى فضل آدم عليه السلام على الملائكة، وأمرهم بالسجود له.
وإنما شرف العلم لكونه وسيلة إلى التقوى التي يستحق بها المرء الكرامة عند الله تعالى والسعادة الأبدية، كما قيل لمحمد بن الحسن بن عبدالله رحمه الله:
تعلَّم فإنَّ العلمَ زينٌ لأهله *** وفضلٌ وعنوانٌ لكل المحامدِ
وكن مستفيداً كل يوم زيادةً *** من العلم واسبح في بحور الفوائدِ
تفقَّه فإن الفقه أفضلُ قائدٍ *** إلى البر والتقوى وأعدلُ قاصدِ
هو العلم الهادي إلى سَنَن الهدى *** هو الحصن ينجي من جميع الشدائدِ
فإن فقهياً واحداً متورعاً *** أشد على الشيطان من ألف عابدِ
وكذلك في سائر الأخلاق نحو الجود والبخل، والجبن والجرأة، والتكبر والتواضع، والعفة والإسراف والتقتير وغيرها، فإن الكبر والبخل والجبن والإسراف حرامٌ، ولا يمكن التحرز عنها إلا بعلمها وعلم ما يضادها فيفترض على كل إنسان علمها، وقد صنف الإمام الأجل الشهيد ناصر الدين أبوالقاسم كتاباً في الأخلاق، ونعم ما صنف، فيحب على كل مسلم حفظها.
[علم فرض الكفاية]
وأما تعلُّم وحفظ ما يقع في بعض الأحايين والأوقات ففرضٌ على سبيل الكفاية، إذا قام به البعض في البلدة سقط عن الباقين، فإن لم يكن في البلدة من يقوم به اشتركوا جميعاً في المأثم-أي الإثم والمعصية- فيجب على الإمام أن يأمرهم بذلك، ويجبر أهل البلد عليه.
وقد قيل: إن علم ما يحصل للإنسان في جميع الأحوال بمنزلة الطعام، لابد لكل واحد منه، وعلم ما يقع في بعض الأحايين بمنزلة الدواء، يحتاج إليه حين المرض فقط.
المصدر:
تعليم المتعلم طريق التعلم، للإمام الزرنوجي الحنفي.
عمدة البيان في معرفة فروض الأعيان، للعلامة المرداسي المالكي.
______________________________
(1) علم الحال: المقصود هي الأحوال والشئون التي لابد أن تعرض للإنسان في حياته، كالإيمان ومعرفة أحكام العبادات والمعاملات الضرورية، وطرق السعي إلى الرزق.
(2) يطلق عليه وعلى القاضي أبي يوسف لقب “صاحبا أبي حنيفة” لتلقيهما العلم عن شيخهما الإمام الأعظم أبي حنيفة ولمكانتهما في مذهب السادة الأحناف رحمهم الله جميعا.
Leave A Reply
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.
2 Comments
جزاكم الله خيرا وسدد خطاكم
ما شاء الله.. توضيح جميل..